الصبر
اعتياد الصبر على المكاره، فإن الإدارة تستلزم المكاره، سواء من الرؤساء، أو الزملاء، أو المرؤوسين، أو نفس الأعمال، فبدون الصبر لا يتمكن الإنسان من إنجاز إدارته على وجه حسن
فغالبا الرؤساء يتوقعون من الإنسان أشياء، ليس بإمكانه الإتيان بها، فإذا صبر على توقعاتهم، ولم يظهر التبرم والضجر، يتلاشى طلبات الرؤساء ويبقى هو ممدوحا لحسن إدارته
كما أن الغالب كون الزملاء في صدر الحسد وحساب الزلة وتكبير العثرة، فإن صبر الإنسان عليهم تلاشت أتعابهم في تحطيمه، وبقي هو مرفوع الرأس لحسن إدارته، والمرؤوسون، كثيرا ما لا يطيعون الإنسان فيما يأمر وينهي، مما يسبب تأثر أعصابه، وانحراف بعض الأعمال فإن صبر عليهم، خرج من المعركة ظافرا، وإلا سقطت إدارته، ووصم بضعف الإدارة
أما طبيعة العمل، فمن الأعمال اللازمة في مهمة الإنسان، قد لا يتأتى بيسر وسهولة فإن صبر الإنسان حتى أنجز تلك الأعمال وصل إلى القمة، وإلا فشل، ودل ذلك على ضعف إدارته. وإذا نظر الإنسان إلى المديرين الناجحين، رآهم يتحلون بهذه الصفة (الصبر) في حسن إدارتهم .
السكوت في مواقف معينة
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (السكوت) فإن النتائج تترتب على الأعمال لا على الأقوال، والقول في غير موضعه- كثيرا ما يسبب الفشل .
والسكوت إنما يكون عن أمور:
أولا- عن الانتقاد ، فلا يفتح الإنسان فاه، بانتقاد إنسان مربوط بالعمل أو غير مربوط به، فإن انتقاد الإنسان المربوط بالعمل وإن كان حقا- يثيره، مما يسبب التقليل من نشاطه، أو قيامه ضد المنتقد، وانتقاد غير المربوط بالعمل يسبب إثارته بما لا داعي له فيؤثر كلام ذلك المنتقد في أعصاب هذا المنتقد وينتقص منه وكلا الأمرين موجب لضعف الإدارة، أما الاجتماع.
ثانيا- عن الانتقاد الموجه إليه، فإنه مهما بلغ الانتقاد ، لا يؤثر في الإنسان، إذا سكت خلاف ما إذا أجابه المنتقد بالرد، فإنه يصرف النشاط بلا فائدة، والناس دائما مع الساكت، فإذا تكلم كانوا له أو عليه.
ثالثا- عن الهدر في الكلام، مما يبتلي به كثير من أصحاب الأعمال وقد كان أحد أحزاب (إندونيسيا) الكبار، شعارهم: قلة الكلام وكثرة العمل، وما أجمله من شعار؟ وفي المثل ،العمل بكل صمت وهدوء علامة النجاح، أما من يتكلم لإنجاز مهمة بقدر الضرورة فإن الكلام في مثل هذا الموقع ضروري وليس المقصود من السكوت، الذي نجعله من شرائط حسن الإدارة، المنع عن مثل هذا الكلام المضطر إليه.
المعرفة الشمولية
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة ،معرفة مداخل الأمور ومخارجها فقد جعل الله سبحانه لكل شيء سببا، وجعل لكل مشكلة حلا وجعل من كل عويصة مخرجا، والرجل في إدراته ، كثيرا ما يريد غاية، أو يريد الخروج عن مشكلة، فإن توصل إلى سبب تلك الغاية أنجزها بسلام، وكذلك ان توصل إلى وجه الحل لتلك المشكلة خرج منها مرفوع الرأس.
أما إذا لم يعرف المداخل والمخارج، فلا يصل إلى الغاية، ولا يعرف حل المشكلة، وبذلك يفشل، وإليك مثلا لذلك، إذا كنت تريد السفر. فأن عرفت كيف ينبغي أن تستأجر السيارة؟ وممن؟ وصلت إلى المقصد، وإلا بقيت في مكانك.. وإذا عطبت السيارة في أثناء الطريق. فأن عرفت كيف تصلحها؟ وصلت إلى المقصد، وإلا بقيت في الصحراء. ثم أن معرفة مداخل الأمور ومخارجها ليس بالأمر اليسير، وإنما هذه (النقطة) من نقاط ( حسن الإدارة) تحتاج إلى مزيد من العلم والتجربة والوعي والاستشارة.
وكثيرا ما يكون هناك أسباب، أو حلول، فاللازم على الإنسان أن يرى أفضلها، وإلا لم يتسم بحسن الإدارة، مثلا إذا كانت الطرق إلى بلدة متعددة كان أقربها وأيسرها هو الأفضل، وإذا كانت المشكلة لها طرق في الحل كان أجملها وأسهلها هو الأفضل.
حسن التجربة
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة ،الاستمرار في مطالعة أحوال العظماء المديرين فإن حياتهم تنير للإنسان كيفية الإدارة، فكما أن التجارب للإنسان نفسه، تنير طريقه في المستقبل، كذلك التجارب التي جربها غيره، فإن الأمور نظائر وأشباه. والحلول ، السابقة هي الحلول اللاحقة .
فإذا درس الإنسان أحوال العظماء، عرف منهم كيفية الإدارة، والحلول الصحيحة المريحة، أما إذا لم يطالع واعتمد على نفسه، كان كمن يريد بناء الدار بدون التعلم من أستاذ، فهل من الممكن أن يبني دار جميلة، اعتمادا على ذوقه؟ ومن الملحق بهذا الفصل، مطالعة الكتب النافعة، فإن الإدارة مثلها مثل نهر جار انما يتكون من قطرات، وهذه القطرات إنما تتجمع من ألف حكمة وحكمة ومائة تجربة وتجربة.
واللازم الاستمرار في المطالعة، لأجل أن الانقطاع عنها، كانقطاع الشجرة اليانعة من الماء، فكما لا يكفي لا بقاء الشجرة حية، مدة من السقي، فإنه إذا أنقطع عنها الماء تجف كذلك المعرفة تحتاج إلى استمرار معين للتعلم، فإنه بالانقطاع يكون الجفاف، وهناك سوء الإدارة فالفشل.
العفو
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (العفو) فإن الإنسان مهما بلغت رتبته- باستثناء المعصوم- يكون معرضا للأخطاء. وربما أخطاء فادحة.
فإن أراد المدير- أخذ الناس بأخطائهم، لم تستقم له الإدارة،يقول الشاعر:
ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
وربما يبدو هذا الشرط- لمن لم يبتل بالإدارة- تافها، لكن المبتلي بالإدارة يعرف ما لهذا الشرط من قيمة.
وليس اعتباطا أمر الله سبحانه ورسوله بأخذ العفو، حيث يقول عن شأنه:-
( خذ العفو.. وأمر بالعرف.. واعرض عن الجاهلين).
وليس المراد العفو مطلقا، حتى ما يوجب فساد المرؤوس، أو شلل العمال، بل المراد العفو مهما أمكن، فإن كثيرا من المديرين يتصفون بطيش يفسد عليهم إدارتهم وكثيرا ما يسبب العفو نجاحا وتقدما لا يمكن أن يوجد في الأخذ والعقوبة واستمع إلى كلام الإمام المرتضى (عليه السلام): ( عاتب أخاك بالإحسان إليه !!).
التفكر الدائم
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (التفكر الدائم) في مختلف الأداء وتحليل التجارب، والتعمق في الأمور، واستخراج النتائج فقد قال الإمام المرتضى ( عليه السلام):- ( الفكر مرآة صافية) .
فربما يكون الإنسان متحيرا في أمر لا يهتدي سبيلا إلى وجه الصواب فيه، فإذا تفكر، وأجال الرأي، وجد السبيل السوي، والصراط المستقيم.
والإنسان بالتفكر الدائم ينمي في نفسه ملكة الفكر، وبذلك يكون ذا آراء صائبة ومن المعلوم أن المدير كثيرا ما تستشكل عليه الأمور، وتتضارب لديه وجه العمل فإذا كان ممن اعتاد التفكر الدائم حل أكثر المشكلات، وبذلك يتسم بحسن الإدارة، ويخفف على نفسه مشاق كثيرة، ومشاكل جمة .
حسن الأخلاق
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (حسن الأخلاق) فإن الأخلاق الحسنة بلسم على كل شيء والمدير يحتاج إلى هذا البلسم أكثر من غيره لأنه يريد تقديم الاجتماع، وذلك لا يكون إلا بالأخلاق فإن الانسان مركب من لحم ودم، وقلب وروح، وكلها تحتاج إلى الأخلاق، من رفق وعطف وتبسم وسلام وغيرها.
وما أجمل ما مثل لذلك، حيث قالوا: ( كان إخوان لهما أهل وكان أحدهما يبيع خل العنب، وكان الآخر يبيع دبس العنب، لكن بائع الخل كان في رفاه وسعة، وبالعكس من بائع الدبس حيث كان في ضنك، وذات مرة أرادت زوجة بائع الدبس، تعرف السبب في ذلك ؟ فجاءت حتى وقفت على دكان زوجها، فرأت أنه يسيء معاملة الزبائن مما يسبب انقطاعهم عنه، بينما رأت أن بائع الخل يحسن المعاملة بكل طلاقة وجه، وتسهيل في البيع، مما يحبب الزبائن و يكثرهم.
وظهرا حيث رجع زوجها إلى الدار، قالت: إنك تبيع الدبس الحلو، حامضا.. وأن أخاك يبيع الخل الحامض حلوا).
فكثيرا ما تقع إدارة تقدمية بيد سيء الأخلاق فيجمدها، بينما تقع إدارة جامدة بيد حسن الأخلاق فيوسعها ويقدمها.
احترام النفس
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (احترام النفس) والمراد به في مقابل الابتذال، فإن الإنسان حيث وضع نفسه، إن الإدارة تحتاج إلى مقدار من الضبط الذي يلازم الهيبة والشخصية، لا التكبر والترفع، ومن المعلوم أن الهيبة والشخصية لا تحصلان إلا باحترام الانسان نفسه.
فلو صار الشخص مبتذلا سقطت هيبته، وبذلك تضعف شخصيته، وهو ما يوجب عدم تمكنه من ضبط الأمور كما ينبغي، فإن مرؤوسيه لا يقدرون كلامه حينئذ، وهناك الفشل ولذا ورد في الأحاديث إن من فضائل المؤمن ( تواضع من غير ابتذال).
ومعرفة الفرق بين (احترام النفس) وبين (التكبر) كما ان معرفة الفرق بين (التواضع) وبين (الابتذال) تحتاج إلى دقة، وجودة نظر في أحوال الناس.
الحيوية
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة (أن يكون حافلا) فإن الإنسان قد يقتصر على مهمته الإدارية التي أوكلت إليه، وهذا إنسان جامد، وإن أتى بالغاية المردة منه بخير وجه.
وقد يتطرق إلى هنا وهناك- لا في الإبداع في مهمته فقط- بل في تشعيب الإدارة إلى أقسام، واستخراج إدارات جديدة، بروح مستعلية وثابة مبتكرة مثلا: إذا أنيط إلى شخص إدارة مدرسة، فإنه قد يقتصر عليها، وهذا جمود وإن أحسن الإدارة في الإشراف على المعلمين والسير بالطلاب إلى الأمام، في جانبي العلم والأخلاق.
وقد يوسع في المدرسة، ويتطرق إلى خارج نطاق المدرسة كتأسيس الكشافة، وفتح المكتبة للمدرسة، وإخراج نشرة مدرسية وصنع التمثيلية بمناسبات.. وما أشبه ذلك. ومثل هذا الإنسان هو الذي يساهم في تقديم الحياة، ويرفع من المستوى الذي وصل إليه الإنسان قبله.
لكن مثل هذا التوسع، في مختلف أقسام الإدارة، يحتاج إلى تفكير ومطالعة ومفاوضة مع الأذكياء، واعتبار بالأحداث.
التوسط وقابلية التحليل
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (التوسط في الفكر) فإن من الناس من يسيطر عليه روح التردد في الأمور فكل شيء لديه محتمل، وكل حركة عنده لها وجه صواب ووجه خطأ، ومثل هذا خليق بأن يجمد في مكانه. ولا يصلح للإدارة، إطلاقا ومن الناس من هو عكس الأول فيجزم بالأشياء اعتباطا بكل سرعة، بدون تمام الموازين والأدلة، وهذا أيضا خليق بالفشل وضعف الإدارة، لكثرة أخطاء مثل هذا الإنسان.
ومن الطريف، أن بعض الناس- في الحرب العالمية الثانية- كانوا يشكون في وجود الحرب ويظنونها دعابة أثارتها الدول الكبرى لأغراض.. بينما بعض آخر كان يظن أن الحياة تمحى من الدنيا بسبب هذه الحرب، لسرعة جزمه بالدعايات الفارغة، وإن لم يقم عليها اي دليل.
وغير الناضج من الناس، غالبا، بين هاتين الحالتين، حالة التردد أو حالة سرعة الحكم الاعتباطي.
فالتوسط في الفكر من أهم مقومات الإدارة الناجحة.
عدم التبجح بالعمل
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (عدم التبجح) إطلاقا ، فإنه عدم التبجح بالعمل ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (عدم التبجح) إطلاقا ، فإنه مما يفسد قلوب الناس عن الإنسان، أو يوجب انفضاضهم من حوله، مما يؤدي بدوره الى فشل الإدارة فاللازم التبجح والافتخار بما عمل.
ومن الغريب أن الناس- بفطرتهم- يحبون العامل الساكت، ويكرهون العامل المتبجح، وإنه إذا سكت الإنسان عن عمله، مدحه الناس، وان مدح عمله، ذمه الناس ومن طريف ما يحكى أن عاملا، كان ساكتا عن عمله، فكان الناس يمدحونه وأخذ في بعد ذلك يمدح عمله، فسكت عنه الناس، فتعجب عن سكوتهم بعد أن كان العمل هو العمل بلا تفاوت- وسئل من بعض عن سبب ذلك؟ فقال: إن الناس كانوا يمدحونك حين كنت ساكتا، أما إذا مدحت نفسك، فعملك لا يستحق مدحين ، ولذا سكتوا عنك ـ .
والتبجح ليس باللسان الصريح فقط، بل بالكتابة، والإشارة، والتلميح، وفعل ما يدل على المدح- كما إذا تثائب وتمطى واتكى وغير سحنة وجهه بعد عمل قام به، متبجحا لفعله ذلك.
فعلى المدير أن يجتنب ا لتبجح إن أراد حسن الإدارة، وعدم فشلها، وإلا كان نصيبها الفشل بل من أقسام التبجح الندم، في معرض المدح فربما ترى إنسانا يقول: إني لا علم لي.. وهو يريد الكناية بذلك عن علمه أو يقول : إني لم أخدم أحدا وهو يريد بذلك إثبات خدماته، وهكذا.
النظرة الثاقبة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة (النظر إلى العواقب) فإن الأمور مرتبطة بعضها ببعض وكثيرا ما تكون أمور كثيرة تنتج عاقبة جيدة أو رديئة فإذا نظر الانسان إلى الشيء مجردا عن ظروفه وملابساته ظن عاقبة- رديئة، حينا، فلا يقدم أو حسنة حينا، فيقدم- وذلك مما يسبب فشل الإدارة بينما يلزم أن ينظر الإنسان إلى الشيء من جميع جوانبه ومحتملاته، وهنا يكون رجاء الأمن عن العطب والعاقبة الحسنة.
وقد ورد في وصف الإمام المرتضى (عليه السلام)، أنه كان بعيد المدى .
مثلا قد يكون التاجر، يرى السوق رائجا، فيشتري السلعة بثمن ربما يقترضه، بزعم أنه بعد أيام يربح الربح الكثير، ثم يخسر مما يرتطم في مضاعفاته، وذلك لأنه إنما أخذ بالنظر، ربح السلعة في هذا اليوم، ولم يأخذ بالاعتبار احتمال وقوع رخص، بعد أيام لانتهاء كارثة حاقت بالبلاد، أو ورود بضائع مماثلة، أو قلة رغبة الناس في هذه البضاعة بعد زمان لانتهاء الفصل المرغوب فيه هذه السلعة، أو ما أشبه ذلك.
وربما يكون مصادقة إنسان، أو معاداة إنسان رأس سلسلة من الإنجازات أو المصاعب باعتبار أن له جذورا وأجنحة، فالناظر السطحي لا يهتم به، لأنه لا يعرف العواقب المرتبطة بهذا الإنسان من جهة جذوره وأجنحته فيسرع في عدائه أو يبطئ في جلب رضائه ووده.
إلى أشباه ذلك، مما هو كثير جدا، فالمدير الناجح، هو الذي يلاحظ هذه الأمور من جميع الجوانب.
كون المدير أذنا
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة، أن يكون المدير (أذنا) يسمع ما يسمع بدون مناقشة، فيما لا يهمه، مما لا يضطر إلى المناقشة فيه، فإن كثيرا من الناس يحبون الثرثرة، أو إبداء الآراء ، أو نقد الأمور بينما لا يهم الإداري كلام واحد من ألف كلام منها.
فإذا أراد النقاش والنقد، أضاع وقته عبثا، وأثار الناس على نفسه، لأنه إن أبدى الرضا أثار المناوئين لهذا الكلام، وإن أبدى السخط أثار المتكلم ولذا مدح الله رسوله بقوله( قل أذن خير لكم).
وقد كانت من عادة المرحوم، زعيم الثورة العراقية، الإمام الشيرازي، السكوت حين كان يكلم في مقترحات. وكلما طلب القائل منه الجواب؟ لم يتكلم مفضلا تأثر المتكلم عن سكوته، على تأثره عن رده ونقده.
طيب المعاشرة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، طيب المعاشرة فإن الانسان المتفوق محسود من أصدقائه ومن أعدائه، والأصدقاء وإن أخفوا حسدهم لكنهم لا يملكون ثائرة أنفسهم، ولا بد في يوم أن تنفجر الثائرة، ولو من بعضهم، أما الأعداء فالكلام فيهم واضح لا يحتاج إلى الشرح.
وطيب المعاشرة، مما يخفف من سودة الحسد، وبحد من نشاطه، وبذلك يسلم المدير عن العداوات أو يقبل منها حسب المستطاع، فبالإضافة إلى تمكنه من حسن الإدارة يتمكن من تقديم الإدارة إلى الأمام فإن الإنسان لا يتمكن من تحسين وضعه ولا تقديم عمله في جو مشحون بالتذبذب والمناوئة. ويلزم أن يكون المدير حذرا من صديقه أكثر من حذره من عدوه، فإن العدو لعداوته يؤمن من استرسال الشخص عنده حول نقاط ضعفه، ولا يمكن أن يحطمه من دخيلة أمره، أما الصديق فإن الإنسان يسترسل عنده في الحديث بما يبدي عورته، ويكشف ضعفه، فإذا انقلب عدوا كان قادرا على الهدم، ولذا قال الشاعر
احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نزل جبرئيل مرة إلا وأوصاني بمداراة الناس.
ويقول الشاعر السعدي في بيت فارسي له تعريبه:
راحة الكونين في تفسير هاتين الكلمتين (إعمال المروة مع الأصدقاء، وأعمال المداراة مع الأعداء).
الشخصية المتوازنة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ،اجتناب ما يسبب نفرة الناس فانه وإن كانت النفرة لأسباب تافهة، تكون مضرة با لإدارة والمدير.
ومما يسبب النفرة أبواب كثيرة، نذكر منها جملة، ونكل الباقي إلى لباقة المدير.
مثل خلف الوعد. وإظهار الاستبداد والتواضع الملحق بالمهانة.. وهجر الناس والتجنب عنهم.. وعدم حضور الاجتماعات المنعقدة بالمناسبات. والاعتزاز بالنفس وبالعمل مظهرا ذلك بقول أو عمل.. والإتيان بما لا يليق عند الناس: كالأكل في الطريق، والضحك العال، والبصاق أمامهم، والمزاح المثير، وما أشبه ووضع النفس فوق مستواها كاصطحاب من فوقه والجلوس فوق مجلسه وترفيع بعض على بعض في المعاشرة والمصادقة وما أشبه مما يسبب جلب عداوة من نقصهم حقهم.. وتنقيص الناس حقهم والمجادلة.. والتكلم بما لا يصدقه الناس، وإن كان حقا من القصص والتواريخ وما أشبه.. والكذب.. والإتيان بالأمور المنكرة شرعا أو عقلا أو عرفا.
إلى غيرها من الأمور الكثيرة المنفردة.. ومن المعلوم لزوم مراعاة الشريعة المطهرة. في الفعل والترك إذ ليس مرادنا ترك واجب يستهجنه بعض الناس أو فعل محرم يعتادون الإتيان به- والعياذ بالله ـ .
جلب الثقة للناس
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( جلب ثقة الناس) وهذا غير الفصل السابق، فإن من الناس المديرين، من لا يأتي بالمنفر، لكنه لا يجلب ثقة الناس أيضا وجلب ثقة الناس ضروري للمدير، فإن كل الناس العاملين إنما يتمكنون من الاستمرار في عملهم بسبب ثقة الناس بهم.. مثلا إمام الجماعة إذا زالت ثقة الناس عنه لم يحضر أحد جماعته والحكومة إنما تعيش بثقة الناس فإذا زالت ثقتهم نحوها عن الحكم والتاجر إنما يتمكن من الأخذ والعطاء لثقة الناس به وإلا انفضوا من عنده وتركوا معاملته، وهكذا فإذا جلب المدير ثقة الناس بحسن معاشرته واستقامة أعماله، أبقى على نفسه وعلى إدارته وتمكن أن يشق طريقه إلى الأمام، وإلا عرض إدارته للخطر، وسمعته للانهيار ، وأخيرا الفشل.
تجنب الاستفزاز
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، أن يفعل ما يريد بدون استفزاز فإن الغالب أن المديرين لهم شركاء ولو كانوا في مستوى أحط، وتكون الكلمة للمدير أخيرا.
فإن ظهر وجه الرأي للمدير، كان لا بد وأن يكون هناك مخالف أو أكثر فقد يأتي المدير بما يظهر له بعنف واستفزاز، وهذا خطأ موجب للعداوة وفشل الإدارة، وقد يأتي بما يظهر له بكل لطف ولين، وهذا من أسباب نجاح الإدارة وولاء الملتفين حولها.
مثلا: للمرجع حاشية- مهما أوتوا من الصلاح والتقوى- لهم آراء حولت تعيين الوكلاء وإجراء المشاهرات وما أشبه، وكثيرا ما يكون رأي المرجع مخالفا في تعيين وكيل أو عزله أو ما أشبه ذلك، فاللازم أن ينفذ رأي نفسه، بدون استفزاز، وإلا انقضت الحاشية- الصالحة، فرضا، عن حوله، وتلقى مضاعفات ذلك.
يقول أحد الرؤساء بصدد هذا، كثيرا ما كنت أنوي نصب شخص معين ولكن لأخذ رأي الأعضاء كنت أستشيرهم في الشخص الذي ينبغي أن ينصب؟ بدون أن أذكر اسم الذي قصدته، فإذا صوتوا لمن قصدته فنعم المطلوب، وإلا كنت أضع من يعينوه في بساط البحث- بحثهم أنفسهم، دون اشتراك مني في المناقشة- وطبيعي أن تقع حوله المناقشة حتى يرضون به وأخيرا كان من قصدته هو الذي يعينوه بالإجماع أو كان من اقصده أحد شخصين يرشح للأمر من قبلهم فكنت أنا في آخر الحلبة، ارتضي بمن قصدته، بعد أن كان التعيين منهم، فكنت في وقت واحد أفوز بما أردت، وأجلب رضاء الأصدقاء بل مدحهم إياي بأني أخذت بآرائهم ومن هذا الباب أيضا عدم مجابهة الناس بما يجرح كرامتهم، سواء حول ما يريد أو حول ما يريدون.
الابتعاد عن الأنانية
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، عدم الأنانية ، فإن الأنانية ضد الإدارة بكل لوازم المضادة.
فإن الأناني إنما مقصده نفسه، لا الهدف الذي وضعت لأجله الإدارة، فالأناني يسير إلى اتجاه نفسه، والإدارة تسير إلى اتجاه الهدف، ولذا سرعان ما يظهر الفشل في الإدارة و الانهيار أخيرا.
ومن المعاكسات الأليفة في الأناني، إن الناس يزدرون الأناني بجميع أنحاء الازدراء بينما هو يريد أن يقدره الناس بجميع أنحاء التقدير.
والأنانية، خليقة بإسقاط الفرد العادي، فكيف بالمدير؟
وإذا رأيت أنانيا في قمة إدارة، فليس لك أن تقول كيف جمعت الإدارة والأنانية؟
وإنما عليك أن تقارن بينه، وبين رجل غير أناني- لو كان في مكانه- لتعرف الفرق الشاسع بين ذلك سمعة وإدارة وتقدما، وبين هذا المتربع فعلا.
فمثلا: لو كان المتربع يدير مدرسة فيها مائة طالب بسمعة متوسطة، كان غير الأناني يديرها بحيث يجتمع فيها ألف طالب، بسمعة راقية، وهكذا.
دور الإيمان
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، مراعاة جانب الله سبحانه،في كل لحظة وخطوة ، ومعنى مراعاة هذا الجانب: الإخلاص الشديد في العمل، ورعاية رضى الله في كل صغيرة وكبيرة، ورجائه سبحانه في الوصول إلى الهدف المنشود. والتوكل عليه طول الوقت، إلى غير ذلك.
فإنه أولا يوجب حسن الإدارة، إذ الأمور كلها بيد الله تعالى،فإذا رأى سبحانه انقطاع العبد إليه أمده بروح منه، وبارك في عمله، مما يجعله في الواقع وفي أعين الناس أحسن مدير لأحسن إدارة، وفي الحديث:
( صانع وجها واحدا يكفك الوجوه ، و ما كان لله لقد ينمو).
وثانيا: يكون لعمله الثواب والأجر، مما لا يدركه بدون مراعاة مرضاته سبحانه
وثالثا: الدنيا دار فناء، فمهما عمرها الإنسان ولا بد أن يأتي يوم يفنى الذي عمرو ما عمره، أما إذا كان الشيء متصلا برضاه سبحانه، فإنه يبقى ويكون جزائه الجنة التي لا تزول ولا تحول، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهل العاقل يصرف نظره عن شيء باق بهذه المنزلة، لشيء فإن مشوب بالآلام والكدورات؟
وهذا الفصل أهم الفصول في هذا الكتاب، فاللازم على المدير أن يراعيه بكل دقة وحيطة، وأن يصبح ملكة له حتى يتأني منه عفويا.
وإلا كان من مصاديق قوله سبحانه: ( ألم تر إلى الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)؟ وقوله سبحانه: ( قل ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهلهم).
نزاهة الجهاز الإداري
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( نزاهة الحاشية) بأن يهتم المرء بذلك غاية الاهتمام ، فإن انحرافهم يسبب ضعف الإدارة، ثم الفشل والانهيار بالإضافة إلى أن عدم نزاههم يسري إلى الإنسان عملا وتلوثا، أما عملا فلأنهم يؤثرون في فكر المدير تدريجيا مهما كان صامدا- مما يسبب انحراف أعماله. وخروجها عن جادة الصواب، وأما تلوثا فإن الناس يرون المدير بعين ما يرون به الحاشية، فإنه ولو كان في غاية النزاهة لكنه يفقد سمعته شيئا بعد شيء، حتى لا تبقى منها باقية. والمنطق مع الناس في ذلك فإنه يدور الأمر بين أن لا يعلم فساد حاشيته- فلا يصلح للإدارة- وكيف يصلح للإدارة من ليس يستطلع على أحوال أقرب الخواص إليه. وبين أن يعلم ولا يصلح فإن لم يتمكن الإصلاح، فأحرى به أن لا يصلح إلا بعد وإن تمكن من الإصلاح، فهو شريك لهم في الجريمة على حد قول الشاعر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
نعم كثيرا ما يضطر الإنسان إلى بعض الحواشي غير النزيهة فاللازم أن يظهر ذلك للناس وأن الاضطرار ساقه إلى مثل تلك الحاشية، تصريحا إن لم يخف من التصريح، وتلويحا إن خاف من التصريح، وهذا هو سر ما نرى من كون حواشي بعض الأنبياء. والأئمة من هذا القبيل، كما أنا نرى بجنب ذلك تصريحاتهم حول تلك الحاشية.
فقد لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض حاشيته،كما وأظهر التبري من أعمال آخرين، وإلى غيرها مما هو مسطور في التأريخ والتفصيل موكول إلى ذكاء المدير.
المرونة
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( عدم توقع العمل من الموظفين مائة في مائة) فإن البشر بطبيعتهم مختلفون، فبعضهم مطيع، وبعضهم كاهل بعضهم حار وبعضهم بارد، وهكذا.
فإن أراد المدير من جميعهم العمل الجدي السليم مائة في مائة،أتعب نفسه ولم يحصل ما رام بالإضافة إلى أنه يكون بذلك أعداءا لنفسه، مما يسبب الفشل في الإدارة أخير.
إن على المدير أن يقرر الضعف والاختلاف البشري حق قدره،ويقول لنفسه:- إن لم يأتمر الموظف في هذه المرة، فسوف يأتمر في مرة أخرى وإن لم ينجز العمل كما أردت فسوف ينجز أعمالا أخرى.. فالأجدر أن أبقى عليهم جميعا رجاء الصلاح والإصلاح.
وهذا لا يعني أن لا يسد الخلل الموجود في الموظفين، بل يعني أخذ الاختلاف الطبيعي بين النفوس بعين الاعتبار.
ومن الأفضل أن يستصلح المدير خلل الموظف، بالكتابة وما أشبه، حتى يبقي على صفاء قلبه وخالص وده، والنظر في تاريخ رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله وسلم) يرشد إلى المثل الأعلى في هذا النوع من الإصلاح.
التروي في إطلاق الأحكام
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( أن يكون المدير متوسطا في النظرة إلى الناس) فلا يحسن الظن إلى كل أحد، ولا يسيء الظن إلى كل أحد،. بل يكون متوسطا في حسن الظن.. فإذا رأى إنسانا، لم يحسن به الظن عاجلا، ولا يسيء به الظن بدون اختبار.
فإن حسن الظن ضعف ووهن وموجب لتسرب الأشرار إلى الإدارة، وسوء الظن شدة لا داعي لها، ويوجب انفضاض الأخيار عن الإدارة، وكلاهما موجب للفشل والانهيار.
وإنما ينشأ الانحراف في أية من الصفتين، من الجهل، وفي المثل ( الجاهل أما مفرط أو مفرّط ).
الصمود النفسي
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( الصمود أمام الكوارث) فإن الإدارة بطبيعتها معرضة للهزات، وكلما كانت الإدارة أوسع، كانت الهزات أكثر وأعنف .
فمن المديرين، من لا يعد العدة للكوارث، فإذا أصيب بشيء منها، انسحب عن الميدان وهذا فشل وخور، بل اللازم على المدير الحازم:
أولا: أن يعد العدة- سلفا- للكوارث المحتملة- حتى إذا نزلت الكارثة، كان مهيئا للتخفيف من حدتها، ثم محو آثارها بكل سرعة.
وثانيا: أن يعد القوة النفسية امام الكوارث حين نزولها، حتى لا يتضعضع ولا ينهزم نفسيا، أمام الكارثة، فإن الصمود النفسي مما يخفف وقع الكارثة.
يقول علماء النفس: إن الصدمة التي يتلقاها الإنسان أمام الكوارث أشد إيلاما من الصدمة ذاتها.
والإنسان إذا استعد لتلقي الصدمات المحتملة، ثم وردت الصدمة عليه خفف الاستعداد من الجزء الأكبر منها، والجزء الباقي يتلاشى بمضي الزمان، وإلا انهار نفسيا وإداريا بما لا يرجى القيام منه .
محاربة الكسل
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( سوط التقدم ) فإن المدير يحتاج إلى السوط الذي يحدوه نحو الهدف كلما أخذه كسل أو انحراف، ولا أفضل في ذلك من ذكر الجنة بنعيمها، والنار بعذابها- بشرط مطالعة تفاصيلها المذكورة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ـ .
والتوجه إلى الله سبحانه، وعظيم قدرته، وسعة الكون وجماله، ومطالعة مزاياه، مرفه وحادي في وقت واحد. كما أن تذكر الهدف والخوف من السقوط من السياط الموجبة لطرد الكسل.
حسن التقدير
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( العناية بصغار الأمور على نحو العناية بكبارها) فإن لكل شيء من الأمور- صغارها وكبارها- مدخلا في الحياة ومن الصغار تتكون الكبار.
فالخلية الصغيرة أصل الإنسان، والذرة المجهرية أصل الكون،فمن لا يهتم بالصغار، أدى إلى عدم ضبط الكبار من الأمور، فإن الكبار تتكون من الصغار.
فاللازم على المدير أن يعطي الصغير العناية بقدره، مثلما يعطي الكبار العناية بقدرها، وغالبا ما يغض الإنسان عن النظر إلى الصغير استهانة به، وإذا به يفتح بابا كبيرا من الخلل لا يمكن سده.
وليس الكلام حول الخلل الآن فإنه من الضروري لحسن الإدارة العناية بكل أمر، واللازم أن تصبح هذه الحالة ملكة للإنسان حتى تحسن إدارته، ويتمكن من تقديم الحياة.
التمتع بروح الانطلاق
ومن الأمور المهمة في حسن الإدارة ( التطلع على أحوال الأشخاص بروح منطلقة متطلعة) بدون ترتيب الأثر على ما يبدو له من العورات، (إلا من جهة الإدارة) فإن الإدارة تحتاج إلى الرجال مهما كانت نوعها، والرجال إن لم يعرفهم المدير بمختلف مستوياتهم لا يتمكن من تسيير دفة الإدارة بجودة وحسن.
مثلا : صاحب المصرف، لا بد أن يعرف الذي يفي دينه ممن يأكل أموال الناس، ومن عنده المال القابل للحجز ممن ليس عنده.. والمرجع الديني يجب أن يعرف التقي العالم الذي يصلح للوكالة والإمامة من غيره.. والمدير للمدرسة يجب أن يعرف المعلمين حتى يتمكن أن يستخدم الصالح، ويترك الطالح، إلى غيرهم.
هذا بالنسبة إلى الشق الأول، من هذا الفصل: التطلع على أحوال الأشخاص بروح منطلقة متطلعة، ومرادنا من (الانطلاق والتطلع) عدم الجمود في الإطلاع، وعدم السرف والتفريط في المعرفة بالتعمق غير اللازم، أو الانغلاق فيما يحتاج إلى توسع المعرفة.
وأما الشق الثاني من هذا الفصل: ( بدون ترتيب الأثر على ما يبدو له من العورات إلا من جهة الإدارة) .
فإن في الناس عورات، إذا فحص الإنسان عن أحوالهم اطلع عليها.
وبعض الأشخاص يشهرون ألسنتهم في التنقيص أو ما أشبه، على من اطلعوا عليه، وهذا خلاف (حسن الإدارة) بل اللازم أن يتخذ الانسان اطلاعه وسيلة لتجنيب إدارته عن العطب لا لشهر لسانه على الناس.
والجمع بين هذين الشقين (التطلع، وعدم ترتيب الأثر..) من أهم النقاط في حسن الإدارة وقد أمر الإمام (عليه السلام) ولده إسماعيل اجتناب مشاركة من تلوكه الألسنة قائلة أنه يشرب الخمر- بالنسبة إلى معاملته الشخصية- فيما ورد في الحديث (كذب سمعك وبصرك عن أخيك) فإن شهد سبعون قسامة أنه قال شيئا، و قال: لم اقله، فصدقه وكذبهم، والقصة مذكورة في، رسائل شيخنا المرتضى رحمه الله وغيره. فحديث إسماعيل يشير إلى الشق الأول، وحديث (كذب..) يشير إلى الشق الثاني.
التطوير النوعي
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ( تحويل الخامات إلى أجناس) سواء كانت خامات بشرية، أو خامات جنسية، أو خامات عملية.
فيعمل لنضج الناس كي يصبحوا قابلين للعمل- إداريا كان أو غير إداري- ويعمل لتحويل الأجناس إلى أجناس نافعة- فيما كانت إدارته من هذا القبيل-كتحويل الحديد إلى القاطرة والطائرة وهكذا، ويعمل لتحويل المعلومات البدائية إلى معلومات مركزة نافعة، فإن العلم والمعرفة، ينمو شيئا فشيئا والمنمي لهما هو المدير القوي .
ولا أقصد بالمدير هنا مدير دائرة، بل مدير جهاز علمي أو عملي أو إداري، على حد سواء. ومن أقسام تحويل الخامات إلى أجناس، ضم خامة بخامة، حتى يصبح جنسيا ذا نفع في الحياة، كالبنّاء الذي يضع اللبنة على اللبنة، حتى تصبح دارا عامرة.. والكتبي الذي يضع كتابا بجنب الكتاب، حتى تصبح مكتبة قيمة.. والمؤلف يضع موضوعا بجنب موضوع حتى تصبح كتابا ثمينا، وهكذا .
والمدير مهما كانت- إدارته- له هذه الصلاحية في ما يختص به من الإدارة، فإن فعل كانت مساهمة في تقديم الحياة، بالإضافة إلى حسن السمعة، والذكر الجميل.
ضبط النفس
ومن الأمور المهمة لحسن الإدارة ، ضبط النفس عن الانخداع ، و الانخداع على أقسام:
الأول: الانخداع بالجانب المبهرج من الحياة فإن النفس ميالة إلى الراحة وحسن السمعة، وما أشبه، والحياة تأبى إلا العمل الجدي المستمر الصامت بكل هدوء، و كثيرا ما يرى انخداع المدير بالجانب المبهرج، فيميل إلى الراحة أو يغتر بحسن السمعة فيكسل في العمل وضبط الإدارة، ويترك العمل الجاد المستمر، وبذلك تضعف إدارته، وينقلب وبالا على الحياة، بعد أن كان محفزا للحياة ودافعا لها الى الأمام.
والمديرون الذين يبتلون بهذا الانخداع، يوجب ذلك انحطاط مستوى الإدارة وبانحطاط الإدارات تنحط الأمة، ورويدا رويدا يشملها الخمول والتأخر فتتقدم عليهم سائر الأمم.. وهذه هي نواة كل تقدم وتأخر، فالتقدم أوله الحزم وعدم الانخداع، والتأخر أوله الكسل والغرور بالجانب المبهرج .
الثاني: الانخداع بالمدح: فكثيرا ما يميل الإنسان إلى الكسل، اذا وجد مادحين له، أو إلى الانحراف إذا وجد من يمدح طريقته .
الثالث: الانخداع بالذم: ففي كثير من الأحيان يترك الإنسان الطريقة المثلى خوفا من الذم، وتهربا من الازدراء .
الرابع: الانخداع بالتحريض: فكثير من الناس يلقون أنفسهم في المهالك بتحريض محرض وتشجيع مشجع وإغراء مغر، وهم يعلمون ضرر ذلك لكن التحريض يثير أعصابهم، ويوقظ نخوتهم .
وكل هذه الأقسام من الانخداع مما تضر بالإدارة وتوجب الإنحطاط وذهاب السمعة وأخيرا الفشل والانهيار.. وقد كان هذا منطق القائل ، النار ولا العار، واليه أشير في قوله سبحانه: ( أخذته العزة بالإثم ).
فمن الضروري على المدير أن يهتم بضبط نفسه، حتى لا ينخدع بهذه الانخداعات.. ولا يكون ذلك- كما لا يقدر الإنسان على اتباع الفصول السابقة في هذا الكتاب- إلا بالاستعانة بالله سبحانه، وطول ذكره ليل نهار، والتوكل عليه، وهو سبحانه يكفي من توكل عليه ويأخذ بيد من استعان به وهو خير موفق ومعين.
لا يوجد حالياً أي تعليق