العنف وضعف الشخصية وجهان لعملة واحدة، حقيقة سيكولوجية أكـــدهـا
علماء التربية وعلم النفس، حيث إن الشخصية العنيفة تتسـم بجمود فـــي
الأحاسيس، وهزال في توكيد الذات، وعــدم اتزان في المشاعر، بالإضافـة
إلى ضعف القدرة في التعبير عن الذات وماهيتهـــا.
كما أن للشخصية العنيفة تاريخًا حافلا في التنشئة الاجتماعية يسيــر فـــي
أحد الاتجاهين، إما تنشئة اتسمت بالدلال الزائد، أو تنشئة اتسمت بالتسلط
والدكتاتورية، وكلا الاتجاهين يعتبر من الاتجاهات القاسية على الشخصيــة
بشكل عام وعلى الأطفال بشكـــل خاص.
الفلسفة التربوية
الأسرة مملكة الطفل الأولى التي ينمو فيها ويكبر، وهــي التي تحدد النظـام
التربوي والفلسفة التربوية التي ينشأ عليها هؤلاء الأطفال وتشمل الفلسفة
التربوية حدود الأسرة، هل هي حدود مفتوحة؟ فيها تبادلية للتأثير والتأثــر،
أم حدود مغلقة ذات اتجاه واحد، كما تشمل أيضًا ما يسمـى بـ"المعاملـــة
الوالدية"، أي الطــرق التي يعامل فيهــا الوالدان أبناءهمــا، أو أساليـــب
الوالدين في تربية أو تنشئة الأطفال للمستقــبــــل.
هناك أربعة أنماط من التنشئة الاجتماعية للطفل في الأسرة وهي:
النمط التسلطي أو الديكتاتوري في التربية
النمط الديمقراطي في التربية "اللامحدود"
النمط المتناقض في التربية
ونمط التربية الموجهة أو المرشدة
وسوف نتناولها بالشرح والتوضيح فيما يلي:
أولا: النمط التسلطي أو الديكتاتوري في التربية:
هو النمط الذي يعتمد على مركزية السلطة، ويطلق عليــه في ثقافتــنـا
العربية السلطة الأبوية، وفي عالم الأزواج "سي السيد"، والمعاملــة
هنا تكون من طرف أعلى مسيطر، هو الأب في أغلــب الأحيان، وقــد
تكون الأم في أحيان أخـــرى.
تكمن الخطورة هنا في كون الطفل ينشأ في أجواء أسرية متسلطـــة لا
تتيح له التعبير عن الذات وطموحاتها وماهيتها، كما تتربى الشخصية
على أساليب القمع والعنف، والخوف باستمرار مما سيحــدث، وتتســـم
شخصية هذا النظام بالتردد والضعف وتتبنى أساليب العنف للتعبير عـن
الذات، كما أنها شخصيات لا تستطيع اتخاذ القرار بنفسها؛ لأن عليهــا
وصيًّا يجب أن يوقع موافقته كما يريد، فالآباء والأمهات هنــا يريدون
للأبناء أن يكونوا نماذج مثالية، ومن هنا فلا أحد يعــرف المصلحــــة
سوى الطــرف الأعلى فيختـــار الأب كل شيء للابن حتــى الزوجـــة،
ويختار للبنت الطريق وما تأكله وما تلبسه أيضا.
ثانيا: النمط الديمقراطي في التربية "اللامحدود":
تستخدم هذا النمط الأسر ذات المستوى الاقتصادي المرتفــع، أو الأســر
ذات الطفل الوحيد، الولد الوحيد أو البنت الوحيدة، وهنا ينشأ الطفل في
أجواء ديمقراطية تتوفر فيها الحرية المطلقة لما يريـــد، ولا يوجد أحــد
لتقويم وتهذيب النفس بمــا تشتهـــــي.
تكمن خطورة هذا النمط في الأنانية والانتهازية التي يصــاب بها أطفـــال
هذه التربية، كما يتكون لديهم مبدأ "كن فيكون" فيما يريدون، فهــم لا
يتوقعون أن يرفض أحد مطالبهم، ورفض مطالبهم تعتبــر إهانــة تشبـــه
الجريمـــــة.
ثالثا: النمط المتناقض في التربية:
أعتبر هذا النوع -بصفتي تربوية وبشكل مهني وشخصي- من أخطر
الأنماط التربوية على شخصية الطفل، فالطفل ينشأ في هذا النظــــام
متشربا مبادئ "لا أسود ولا أبيض"، والرمادي غير مرغوب فـــــي
حياتنـــا التربويـــــة.
مثال قد نراه في أسرنا أو أسر معارفنا: "عندما يبدأ الطفل في النطق
نشجعه على نطق الكلمات الجميلة والسيئـة على السواء وإذا حـــدث
ونطق مسبة (كلبة) مثلا يفرح الأبوين (قال كلبة) ويشجعانه، وفـــي
حدث آخر بعد فترة ينطق نفس الكلمة فيـجد سيلا من الغضب والعـــقاب
على شخصه نتيجة نطقه تلك الكلمة، ويصبح الطفل هنا مبلبلا لا يعرف
أين الصحيح وأين الخطأ؟".
مثال آخر: "تلعب الأم مع طفلها ويأتي الأب ويقول: اضرب ماما حبيبــي
فيضرب ماما، ويفرح الجميع ويبتسمون أثناء ذلك، في وقت آخر بعد ذلك
يقوم الطفل بضرب أمه في موقف مشابه ولكن هنا ينزل عليه العقــاب".
مثال آخر: "نعلم الطفل ألا يكذب والكذب حرام وحين يدق جرس الهاتــف
بسرعة يقول الأب للطفل قول بابا مش بالبيــت".
ويكون الطفل هنا طفلا مسكينًا تائهًا لا يعرف أي الطرق يسلك؛ فلا معالم
واضحة لشخصه، وتكمن الخطورة في هذا النمط في شخصية الطفل التي
تتسم بالجبن والتردد، وعدم القدرة على التفكير واتخاذ القرار المناســب،
وهي شخصيات غير مبادرة وينقصها التخطيط والاجتهاد وكل شــيء فـــي
حياتها تعتمد فيه على أوامر من الآخر وبالتالــي لا تستطيــــع أن تخلــــق
لنفسها نشاطا أو هدفا، وتحتاج دومًا لمن يخطط لها ويدفعها للفعــــل.
رابعا: نمط التربية الموجهة أو المرشدة:
وهو النمط الذي حث عليه الإسلام وكان منهاجًا للتعامل في حيــاة رسولــنا
المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا النظام يعتمد على "القدوة الحسنة"،
وحسب نظريات التربية وسيكولوجية الشخصية فالطفل يتعلم مـــن سلــــوك
والديه ما ينقش شخصيته للأبد، فعندما تتسم سلوكيات وشخصية الوالديـــن
بالقدوة الحسنة وبالحكمة، وتعتمد على احترام الآخر وتقديــر ذاته، وعـــلى
التوجيه وليس التلقين، على التجربة والتعلم وليس على القمــع والإجبـــار،
هنا تتاح للطفل أجواء تربوية سليمة يتحرك وفق حدود تربوية مرنة تصقل
شخصيته بمعايير أخلاقية إيجابية وتتيح له فرصة أن يخطـئ كـــي يتعلــــم،
ويختار ما يناسب شخصيته وفق إمكانيات الأســرة ليتعلـــم معنـــى تحمـــل
المسئولية والشراكة في العطاء والالتزام بالواجبات ومنح الحقــــوق.
مقترحات تربوية
هناك بعض المقترحات التربوية المهمة في نمو شخصية الطفل وتنشئته:
استثمر طاقة طفلك:
لكل طفل طاقته الخاصة، حاول استثمار طاقة طفلك نحو الإيجابية وامنحه
فرصة اكتشاف قدراته وطورها بالإمكانيات المتاحة، فلا يزعجــك كثـــرة
حركته وفضوله، استثمرهما لتنمية معرفته الشخصية وطور من خبراته.
تقبل خطأ طفلك ولا تنهره:
عندما يخطئ الطفل علمه كيف يستفيد من خطئه، فهذا أفضل من أن تصب
عليه غضبك وتنهره بقسوة.
اهتم بالجلسات العائلية:
الجلسات العائلية من أهم أركان المساندة الأسريــة، فهـــي تعلـــم التراحـــم
والمحبة والإيثار، وتعزز الانتماء لدى الطفل باتجاه والديه وأسرته، والجدير
بالذكر أن هذه الجلسات كانت في السنوات الماضية تتمتع فيها الأسر بشكل
أفضل، ولكن للأسف افتقدتها أسرنا في الزمن الحالي نتيجة زيادة الضغـوط
الحياتية المعاصرة، وانعكس ذلك على الأسرة وأبنائها بشكل سلبي، لذلك نؤكد
على أهمية التواصل الأسري عبر الجلسات العائلية، والحوار المستمـر مــع
الأبناء في قضايا الأسرة والحيـــاة.
تعلم الصبر:
تربية الأطفال تحتاج للصبر، وأفضل طرق التدرب على الصبــر هي أن تأخــذ
نفسًا عميقًا كلما ضاق صدرك من سلوكيات طفلك، وتأكد أن طفلك لن يتعلم
من مرة أو من عشر مرات في التوجيه بل يحتاج إلى تكرار التوجيه علــى
مدار سنوات طفولته فهذا يعده لمستقبل أفضــــل.
امنح طفلك الدفء والاحترام:
الطفل بحاجة دائمة للشعور بالأمان وهــذا الشعـــور لا يأتــــي إلا بالمحبـــة
ولمسات الدفء والابتسامة على وجه الوالدين، كما أن احترام الطفل يمنحه
تعلم احتــــرام الآخريــــن.
شجع طفلك على القراءة:
استخدم قصة قبل النوم لترويها على مسامعـه، ففيها عدة فوائـــد منهــــا: أن
الطفل يتعلم الكثير من القيم المفيدة والسلوكيات الإيجابية، كما أن تعود طفلك
على سماع قصة قبل النوم تدفعه عندما يتعلــتم القراءة والكتابــــة أن يقــــرأ
القصص وينجذب لها، والتي بدورها تنمي معرفة الطفل وتساعده على التمتــع
بالتفكير الإيجابـــي.
لا يوجد حالياً أي تعليق