أولا ً: مفهوم التعلم التعاوني
المقدمة
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ، وخلق فيه صفات وسمات تميزه عن سائر المخلوقات الموجودة على سطح الأرض . ومع ذلك تظل قدرات الإنسان الجسدية والعقلية محدودة ، وغير مؤهلة لأن تحقق له كل ما يطمح إليه من رغبات واحتياجات ، ومن أجل ذلك كان لزاما عليه أن يتعاون مع الآخرين ، وبتعاون الآخرون معه من أجل تحقيق الأهـداف المشتركة . وهذه الرغبة لتحقيق الأهداف والرغبـات من خلال التعاون والعمل الكفء ليست مقصورة فقط على الإنسان الفرد ، لكنها أيضاً تمتد إلى المجموعات في أي مجتمع كان . وحين ينتظم عقد مجموعة من الأفراد من أجل تحقيق هدف معين فإنه يصبح من الضروري عندئذ أن تكون هناك إدارة تعمل على تهيئة الظروف ، وتنظم الجهود من أجل الوصول إلى الأهداف المشتركة المطلوبة ، وهذه الجهود تتمثل في قيام المعلم بدوره التربوي المهني في تنسيق الأنشطة الصفية وغير الصفية المختلفة لمجموعة الطلاب ، من خلال ممارسة استراتيجية التعلم التعاوني داخل هذه المجموعات ، وقـد استخدم كل مجتمع إنساني المجموعات لتحقيق أهدافـه . وفي المقابـل نجد أن جونسـون وزمـلاءه ( 1995م ، ص ص 1-1،2 ) أكدوا بأن نمط إهدار الفرص للإفادة من قوة عمل المجموعات في المؤسسات التربوية يعود إلى خمسة أسباب على الأقل :
1. عدم وضوح العناصر التي تجعل عمل المجموعات عملا ناجحا ، فمعظم المربين لا يعرفون الفرق بين مجموعات التعلم التعاوني ومجموعات العمل التقليدي .
2. عدم إدراك المربين أن العمل المعزول هو نظام غير طبيعي في العالم ، وأن الشخص الواحد لا يستطيع أن يبني سكناً له بمفرده .
3. عدم تحمل المسئولية في فكرة التطوير لدى مجموعة المتعلمين ، وبالتالي تصل إلى عدم تحمل المعلمين مسئولية تعليم الطلاب لأقرانهم داخل الفصل وخارجه .
4. هيمن على عقول المربين فكرة أن عمل اللجان والمجموعات غير ناجح ، وبالتالي يرددون قول القائل : إذا أردت أن تعيق موضوعا في العالم العـربي فإن ذلك يكون بإحالته إلى لجان لدراسته .
5. الرهبة وعدم توافر العزيمة ، بالنسبة للعديد من المربين ، في استخدام المجموعـات التعليمية التعاونية .
ولمحاولة القضاء على هذه الأسباب في تطبيق مفهوم التعلم التعاوني داخل المجموعات التعليمية في المدارس ، ذكر جونسون وزملاؤه ( 1995م، ص ص 1 ، 2 ) أنه يجب التغلب على المقاومة الشخصية لاستخدام المجموعات بطريقة منضبطة من خلال مراعاة المفاهيم التالية :
أ. الفرق بين العمل التعاوني والعمل الفردي .
ب. النتائج المتوقعة من العمل التعاوني في شكل مجموعات .
ج. طريقة التطبيق الدقيق للعناصر الأساسية ( سوف يتم شرحها فيما بعد ) .
د. نوعية التعلم التعاوني الذي يستخدم في المواقف التعليمية المختلفة .
هـ. بيئة تنظيمية في المدرسة ذات أداء مرتفع ، من أجل زيادة جودة التعليم .
الفرق بين مفهومي التعلم التعاوني والتعليم التعاوني :
إن التعلم التعاوني هو الخطوة الأولى من الطريقة التقليدية لعمليات التعليم في معظم البلدان العربية ، من حيث مرحلتي المعرفة والإدراك للمهارات الأساسية ، ومن خلال التعليم الفردي في داخل الفصل الدراسـي ، فالتعليم في غرفة الصف يحتاج إلى جهد تعاوني ، لأن التحصيل غير العادي لا يأتي من الجهود الفردية أو التنافسية للفرد المنعـــزل ، بل يأتي من خلال العمل على شكل مجموعة تعاونية.
أما التعليم التعاوني فهو الفعلي في ترجمة مفهوم التعلم التعاوني ، بما يتيحه من فرص عمل فعلية للطلاب في أثناء الدراسة ، تساعد على تحقيق المراحل المتقدمة في العملية التعليمية ، كما يسمونه : مرحلة التدريب الميداني لبعض التخصصات العلمية والنظرية في مراحل التعليم العالي والثانوي لكافة تخصصاته .
عـرف مجلس القـوى العاملـة ( 1995م ، ص 9 ، 10 ) بأن التعلم التعاوني بأنه البذرة الأولى ، وهو طريقة وأسلوب حديث في مجال تطوير أداء الطلاب الفعال ، من خلال الأداء المتميز من المعلمين ، وفي استخدام استراتيجيات التعلم التعاوني طريقة تدريبية حديثة من أجل تطوير إدارة الفصل للممارسات التربوية الصحيحة ، في شكل مجموعات تعاونية ، داخـل حجرة الفصل الدراسي .
وحتى نجعل العمل التعاوني ذا فعالية بين الطلاب ، أكدت دراسـة جونسون وزمـلائه ( 1995م ، ص ص 1-6 ، 1-7 ) على أن ذلك يتطلب فهما للعناصر التي تجعل العمل التعاوني عملا ناجحا ، وإتقان هذه العناصر الأساسية للتعاون يسمح للمعلمين أن يأخذوه بعين الاعتبار ، ولهذا يجب مراعاة النقاط التالية :
- يتناولـون دراستهم ومناهجهـم وقـراراتهم الموجودة يبغونها بشكل تعاوني .
- يكيفون دروس التعليم التعاوني طبقا لخصوصية حاجاتهم التعليمية ، وظروفهم ، ومناهجهم ، وموادهم ، وطلابهم .
- يشخصون المشاكل التي قد يواجهها الطلاب في أثناء عملهم معا ، ويتدخلون لزيادة فاعلية المجموعات التعليمية الطلابية .
الجذور النظرية للتعلم التعاوني :
ذكـر جونسون وزملاؤه ( 1995م ، ص ص 3-5 ، 3-6 ) التدرج التاريخي لجذور نظرية التعلم التعاوني على النحو التالي :
كانت بداية التعلم التعاوني عام 1900م على يد العالم كيرت كافكا Kurt Kafka أحد واضعي نظرية الجشتلت Gestalt في علم النفس ، الـذي أكـد على " أن المجموعات وحدات كاملة نشطة يختلف فيها الاعتماد المتبادل بين الأعضاء " ، وقد قام كيرت ليوين Kurt Lewin 1935-1984م بتطوير أفكار كافكا حول النقاط التالية :
- أساس المجموعة هو الاعتماد المتبادل بين الأعضاء .
- حالة التوتر الداخلي لدى الأعضاء تدفعهم إلى العمل على تحقيق الأهداف المشتركة المرغوبة .
وقد قام مورتين دويتش Morton Dentsch بصياغـة نظرية التعاون التنافسي في عام 1949-1962م ، وقام ديفيد جونسون Johnson David بتطوير أفكار دويتش لتصبح نظرية : الاعتماد المتبادل الاجتماعي ( 1970-1974م ) .
ذكر جونسون ومورثون 1989م أن هناك أكثر من 600دراسة تجريبية على التعلم التنافسي والتعلم الفردي ، وأكثر من 100 دراسة ارتباطية أجريت على التعلم التعاوني من عام 1898م حتى الآن ، ويمكن تصنيف النتائج المتعددة التي تم الكشف عنها إلى ثلاث فئات رئيسة هي :
1. التحصيل والإنتاجية .
2. العلاقات الإيجابية .
3. الصحة النفسية .
وبالمقارنة مع العمل التنافسي والعمل الفردي ، فإن التعلم التعاوني يؤدي إلى زيادة في التحصيل والإنتاجية وقوة في الإيجابية واهتمام بالصحة النفسية ، من أجل رفع الكفاية الاجتماعية وتقدير الذات ، وهذا يؤدي إلى أن التعلم التعاوني من الأساليب التربوية الأكثر أهمية بالنسبة للمربين في مجال التربية والتعليم ، في تطوير أداء الفصل .
الجذور العملية للتعلم التعاوني :
حث القرآن الكريم على التعاون على البر ، حيث قال الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ، " سورة المائدة ، الآيه :2 " ، كما نفهم أهمية التعاون من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " . رواه مسلم .
وقد ذكرت دراسة جونسون وزملائه ( 1995م ، ص ص 3-9 ، 3-10) أنه تم معرفة الجذور العملية للتعلم التعاوني على النحو التالي :
في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تم استخدام المجموعات التعليمية التعاونيـة في بريطانيا على نطاق واسع ، ثم نقلت الفكرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، عندما افتتحت مدرسة تتبع هذا الأسلوب في مدينة نيويورك عام 1806م ، وفي أوائل القرن التاسع عشر كان هناك تركيز قوي على التعلم التعاوني في المدارس الأمريكية ، وقد طور فكرة التعليم التعاوني التطبيقي العالم باركر Parker ( 1875 – 1880م ) ، ثم تبعه جون ديوي John Dewey الذي عزز استخدام المجموعات التعليمية التعاونية حتى أصبح جزءاً من أسلوبه المشهور في التعلم .
المفهوم النظري للتعلم التعاوني :
بناء الدرس في التعلم التعاوني يشتمل على خمسة عناصر أساســــية ، حسب ما ذكـــرت دراسة جونســون وزملائه ( 1995م ، ص ص 1-6 ، 1-7 ) ، وهي على النحو التالي :
1. الاعتماد المتبادل الإيجابي :
يمكن بناؤه بشكل ناجح عندما يدرك أعضاء المجموعة أنهم مرتبطون مع بعضهم بعضاً بطريقة لا يستطيع فيها أن ينجح أي واحد منهم إلا إذا نجحوا جميعاً ، و إذا فشل فشلوا جميعاً .
ومن هنا تدرك المجموعة أن جهد كل فرد لا يفيده فحسب بل يفيد جميع أعضاء المجموعة وفي نفسه الوقت يمثل أساس استراتيجية التعلم التعاوني ، فإذا لم يكن هناك اعتماد متبادل إيجابي فلن يكون هناك تعاون .
2. المسئوليـة الفرديـة والمسئوليـة الجماعيـة :
هناك مستويان من مستويات المسئولية التي يجب أن تبنى في المجموعات التعليمية التعاونية على النحو التالي :
المجموعة يجب أن تكون مسئولة عن تحقيق أهدافها .
وكل عضو من أعضاء المجموعة يجب أن يكون مسئولاً عن الإسهام بنصيبه في العمل .
فالمسؤولية الفردية تتم من خلال تقييم المجموعة لأدائها لكل طالب ، وتعاد النتائج إلى المجموعة والفرد من أجل التأكد ممن هو في حاجة إلى مساعدة إضافية أو دعم أو تشجيع لإنهاء المهمة ، فهذا هو الهدف الأسمى لمفهوم التعلم ، بمعنى أن الطلاب يتعلمون معاً لكي يتمكنوا فيما بعد من تقديم أداء أفضل منفردين .
3. التفاعل المعزز وجهاً لوجه :
يحتاج الطلاب إلى القيام بعمل حقيقي معاً ، وذلك بالاشتراك في استخدام المصادر وتقديم المساعدة والدعم والتشجيع على الجهود التي يبذلها كل واحد منهم ، فعن طريق المجموعات الصغيرة يكون الطالب وجهاً لوجه أمام زميله في داخل المجموعة الصغيرة .
فيكون التعاون إيجابيّاً فيما بينهم ، من خلال قلة أعداد المجمــوعة ، وعدم الحرج أمـام زملائه في أثناء النقاش ، وطرح التساؤلات ، والاستفادة من معلومات زملائهم داخل المجموعة نفسها ، وهنا يصبـــح الأعضــاء ملتزمين شخصّياً نحو بعضهم بعضاً ، وكذلك نحو تحقيق أهدافهم المشتركة .
4. تعليم الطلاب المهارات الجماعية والشخصية المطلوبة :
من خلال تكوين المجموعات الصغيرة داخل الفصل من أجل استخدام التعلم التعاوني يجب أن يتعلم الأعضاء مهارات القيادة ، واتخاذ القرارات ، وبنـاء الثقة والتواصل ، وإدارة الصراع بطريقة هادفة تماماً ليتعلم المهارات التعليمية ، وبما أن التعاون والصراع متلازمان ، فإن الإجراءات والمهارات اللازمة لإدارة الصراع بشكل بناء تعتبر ذات أهمية خاصة بالنسبة للنجاح الدائم للمجموعات التعليمية التعاونية .
5. معالجة عمل المجموعة :
تعتبر الخطوة الأخيرة في تقويم عمل المجموعة ، ومدى تحقق أهدافها ، ومدى محافظتها على علاقات عمل فاعلة بين أفرادها . إن المجموعات بحاجة إلى بيان تصرفات الأعضاء المفيدة وغير المفيدة لاتخاذ القرارات حول التصرفات التي يجب أن تستمر ،وتلك التي يجب أن يتم تعديلها ، إذ أن التطور المستمر لعملية التعلم ينتج عن التحليل الدقيق لطريقة عمل الأعضاء معاً ، وكيفية إثراء فاعلية عمل المجموعات .
دور المعلم في التعلم التعاوني :
يجب على المعلمين في كل حصة أن يختاروا دور الموجه لا دور الملقن ، ولهذا يلزمهم أن يتذكروا أن التحدث في التعليم ليس تغطية المادة للطلاب ، بل إنه يتمثل في الكشف عنها معهم ، ويؤكد على ذلك حجي ( 2000م ، ص291) ، وذلك باعتبار المعلم مستشاراً للمجموعة أكثر من كونه المصدر الوحيد للتعلم .
ويتحدد دور المعلم في المجموعات التعليمية التعاونية الرسمية على خمسة أجزاء ، حسب ما ورد في مدخل جونسون وزملائه للتعلم التعاوني على النحو التالي :
1. تحديد اهداف الدرس .
2. اتخاذ قرارات معينة حول وضع الطلاب في مجموعات تعليمية قبل البدء بتعليم الدرس .
3. شرح المهمة وبيان الهدف للطلاب .
4. تفقد فاعلية الطـلاب داخل المجموعات ، والتدخل لتقديم المساعدة لأداء عمل في الإجابة عن أسئلة الطلاب ، وتعلم مهارات المهمة أو تحسين مهارات الطلاب الشخصية ومهارات المجموعة الصغيرة .
5. تقييم تحصيل الطلاب ومساعدتهم في مناقشة مدى تقدمهم في تعاونهم معاً .
أدوات التعلم التعاوني :
التعاون والصراع شيئان متلازمان ، فكلما زاد اهتمام أعضاء المجموعـة بتحقيق أهداف مجموعتهم ، وزاد اهتمامهم بعضهم ببعض ، زاد احتمال أن تظهر بينهم صراعات معينة ، وذلك يتطلب حسب ما ورد عن جونسون وزملائه ( 1995م ، ص 1-11 ) ما يلي :
1. تعليم الطلاب الإجراءات والمهارات اللازمة لإدارة الصراعات الأكاديمية الفكرية الملازمة للمجموعات التعليمية
2. تعليم الطلاب الإجراءات والمهارات اللازمة للتفاوض من أجل الوصول إلى حلول بناءة لصراعاتهم ، والتوسط في الصراعات القائمة بين الزملاء في المجموعات التعليمية .
ويمكــن تدريب الطـلاب على استخـدام طريقـة " العصف الذهني " وقد ذكر المصري ( 1420هـ ، ص 227 ) تعريف ( كيث هوفر ) للعصف الذهـني : " بأنه مجموعة من الإجراءات تعني استخدام الدفاع في عصف مشكلة من المشكلات بجمع كل الأفكار حولها ، لإيجاد حلـول مبتكرة لها ، والعصف الفكري تقنية للإبداع والتخيل التطبيقي ، استخدم في سـوق العمل ثم انتقل إلى ميـدان التربية ، ليصبح أكثر الأسـاليب التي حظيت باهتمام الباحثين والمهتمين بتنمية الفكر الإبداعي " .
القواعد المتبعة في جلسات العصف الذهني داخل المجموعات :
وهـذا يتطـــلب تهيــئة الزمـــرة أو المجمـــوعة ، وخاصـة في الجلســات الأولى للعصف ، حيث ركـز جروان ( 1999م ، ص 117 ) على أربع قواعد يجب مراعاتها في ممارسة طريقة العصف الذهني بين الأفراد ، وهي على النحو التالي :
1. لا يجوز انتقاد الأفكار من أي عضو مهما بدت سخيفة تافهة .
2. التشجيع على إعطاء أكبر عدد ممكن من الأفكار .
3. التركيز على الكم ،بالتحفز على زيادته .
4. الأفكار المطروحة ملك الجميع ، بمعنى أنه يمكن اشتقاق أو تركيب فكرة أو حل من فكرة مطروحة سابقاً .
الخطوات المستخدمة لتطبيق جلسات العصف :
أشار جروان ( 1999م ، ص 119 ) إلى أن هناك عناصر مهمة لإنجاح عملية العصف الذهني ، باعتباره أداة من أدوات التعلم التعاوني داخل المجموعات ، وذلك في أثناء إدارة الفصل :
1. وضوح المشكلة موضوع البحث لدى المشاركين وقائد النشاط ، قبل بدء الجلسة .
2. وضوح مبادئ وقواعد العمل والتقيد بها من قبل الجميع ، بحيث يأخذ كل مشارك دوره ، وطرح الأفكار دون تعليق أو تجريح من أحد .
3. خبرة المعلم أو قائد النشاط وجديته واقتناعه بقيمة أسلوب العصف الذهني بين أدوات التعلم التعاوني ، في حفز الإبداع ورفع الإنتاجية لدى مجموعات الطلاب داخل إدارة الفصل .
ثانياً : إدارة الفصل
مفهوم إدارة الفصل :
هناك العديد من الدراسات التي أوردت المصطلحات التالية حول مفهوم ( الصف والفصل ) ، ومن هـذه الدراسـات دراسة كل من ( حمدان ، 1404هـ ، الناشف وزميله 1987م ) ، فالصف والفصل في الدراستين بمفهوم واحد ، وليس هناك اختلاف بينهما .
من هنا حدد الباحـــث في هـــذه الدراسة استخدام مصطلـح الفصـل ( Class ) حيــث عرفـــه حمــدان ( 1404هـ ، ص 100 ) على أنه " مجموعة من الاستراتيجيات التربوية التنظيمية التي تتولى تنسيق معطيات وعوامل التدريس بأساليب مختلفة ، بغرض تسهيل عملية التربية داخل الصفوف بغية إثـراء مخرجاتها " .
والإدارة الصفية الناجحة تحرص على إيجاد التفاعل مع الطلاب ، مما يؤدي إلى المشاركة الإيجابية ، ويثير في الحصة جّواً من الحيوية والنشاط ، وهو بدوره يحمل الطلاب على احترام معلمهم ويتقبلون إرشاداته بروح مرحة ونفس راضية ، فيقومون بواجباتهم التعليمية وذلك حسب الطرق السليمة ، من أجل تحقيق الأهداف التربوية
أبعاد إدارة الصف :
أشارت عدة دراسات إلى أن هناك العديد من الأبعاد التي تركز عليها إدارة الفــصل ، فقد ذكـــرت دراسة الشاكــري ( 1413هـ ، ص4 ) أن هذه الأبعاد هي :
1. تنظيم وترتيب الفصل .
2. تهيئة مناخ الفصل .
3. ضبط سلوك التلاميذ .
كما أشارت الدراسة إلى أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية بين كل من المعلمين والمديرين والموجهين والتربويين في إدراكهم لواقـع ممارسة ضبط سلوك التلاميذ ، وهناك اختلاف من وجهة نظر المعلمين حول تهيئة مناخ الفصل الدراسي عـن كل من المديرين والموجهين ، كما أكدت الدراسة على أن المعلمين يمارسون تنظيـم وترتيب الفصـل الدراسي بدرجة ممتازة . وأن المعلمين أصحاب الخبرة الطويلة في التدريب يفوقون أقرانهم أصحاب الخبرات الأقل في تنظيم الفصل الدراسي .
إدارة الفصل لزيادة الإنتاجية :
أوضح العبود ( 1995م ، ص 81-103 ) أن الاتجاه الحديث يولي المدارس مسؤولية مساعدة الأطفال على متابعـة التعلـــيم ، والاهتمام بتشجيعهم على الإقبال على عملهم المدرسي وعلى أمور حياتهم بأساليب أكثر إبداعاً وتحرراً .
لذا وجهت الأنظار إلى أهمية بيئة الفصل في إذكاء روح الابتكار والإبداع في التلاميذ ، واستنباط إجراءات وأفكار ذاتية فردية أو جماعية ذات أثر بعيد في حياتهم ، إذ لم تعد مشكلة المدرس الأساسية في الفصل هي إظهار الصرامة ليظل التلاميذ صامتين محافظين على النظام ، بل أصبح دور المدرس هو تطوير الأجواء التقليدية بهدف تنمية الإنسان وتعهده وفق المعايير التربوية السليمة ، وبهدف زيادة الإنتاجية الداخلية التي تنطلق من ضرورة استراتيجيات أساليب إدارة الفصل ، لإعداد البيئة المناسبة لاستخدام الأساليب الحديثة لزيادة الإنتاجية داخل الفصل أو الصف المدرسي ، وأن المعلم لابد أن يكون مديراً ناجحاً لفصله ، وفي الوقت نفسه مستشاراً للمجموعة أكثر من كونه مصدراً وحيداً للتعلم .
وإدارة الفصل يجب أن تعتمد بالدرجة الأولى على فلسفة المجتمع وأهدافه ، وأن تكون ملائمة للبيئة التربوية في تنظيمها ، سواء كان الفصل مفتوحاً أو غير مفتوح أو فصلاً منضبطاً ، وإدارة الفصل تتبع الإدارة على المستوى الإجرائي داخل المدرسة .
تأثير بيئة الفصل في إدارته :
لكل فصل دراسي بيئة متميزة ، تحدد معالمها طبيعة العلاقات بين تلاميذ الفصل ، وبينهم وبين المعلم ، وطريقة تدريس المحتوى الدراسي ، إضافة إلى إدراكهم لبعض الحقائق التنظيمية للفصل ، وبيئة التعلم بالصف تختلف باختلاف المادة الدراسية . ولكل فصل سمة مميزة أو مناخ يميزه عن غيره من الفصول ، وتؤثر على فعالية التعلم داخل الفصل ، فهي بمثابة الشخصية للفرد .
وقـد تناولت دراسة الرائـقي ( 1411هـ ، ص ص 5 ، 25 ) بعض الدراسات التي حددت أن هنــاك ارتباطاً بين أداء التلاميذ ، وبيئة الصف ، وتوصلت إلى أن بيئات الصفوف تتنوع تبعاً لتنوع المواد الدراسية ، ومن ثم ينعكس ذلك علــى أداء التلاميذ ( المتغيرات المعرفية ) ، وأن هناك علاقة بيئة الصف ببعض المتغيرات غير المعرفيـة ، مثل : عدد تلاميذ الفصل ، ومعدل الغياب ، وموقع المدرسة في بيئة حضرية أو قروية ، ورضا التلاميذ عن المدرسة ، حيث أكدت نتائجها على أن زيادة عدد التلاميذ تقترن ببيئة صفية يقل فيها الترابط بين التلاميذ وتزداد فيها الرسمية . ومعدل الغياب يرتفع في الفصول التي زاد فيها التنافس بين التلاميذ ، وتحكم المعلم ، وقلة دعمه واهتمامه بالتلاميذ ، وأن بيئات الصفوف الفردية تتسم بعدم التنظيم وقوة التنافس .
في حين وجد أن رضا التلاميذ يتحسن في الفصول التي تزيد فيها مشاركتهم وإحساسهم بالانتماء والاهتمام بهم ، كما أوضحت أن أداء التلاميذ المعرفي والانفعالي يتحسن في الفصول التي تتفق بيئاتها الفعلية مع البيئات التي يفضلها التلاميذ ، ويتدنى في الفصول التي تختلف بيئاتها الفعلية عن البيئات التي يفضلها التلاميذ ، وعلى هذا فيمكن للمعلم توظيف استراتيجيات تدريسية تزيد من مشاركة التلاميذ .
الطالب وإدارة الفصل :
إن محور إدارة الفصل هو الطالب ، وتوفير الظروف والإمكانات التي تساعد على توجيه نموه العقلي ، البدني والروحي ، والتي تتطلب تحسين العملية التربوية لتحقيق هذا النمو ، إلى جانب تحقيق الأهداف الاجتماعية التي يطمح إليها المجتمع فهي مطلب مهم ، وقد أظهرت البحوث النفسية والتربوية الحديثة أهمية الطفل كفرد وأهمية الفروق الفردية ، وأن العملية التربوية عملية نمو في شخصية الطفل من جميع جوانبها .
وأكدت الفلسفات التربوية على أن الطفل كائن إيجابي نشيط ، كما أظهرت أن دور المدرس والمدرسة في توجيهه ومساعدته في اختيار الخبرات التي تساعد على نمو شخصيته وتؤدي إلى نفعه ونفع المجتمع الذي يعيش فيه ، فركزت الاهتمام نحو إعداده لمسئولياته في حياته الحاضـرة والمقبلة في المجتمع حيث أورد الدايـل ( 1408هـ ، ص 74 ) عدداً من الجوانب التي ينبغي الاهتمام بها ، وهي :
1. النمو الجسمي : تزويد الطلاب بالمعلومات المفيدة عن كيفية الوقاية من الأمراض ، والغذاء الجيد والسليم ، ومراعاة الاعتبارات الصحية بالفصـول ، كالتهويـة والإضـاءة والجلوس الصحي .
2. النمو العقلي : بإتاحة الفرصة للطلاب لمعالجة الموضوعات والمشكلات بطريقة الأسلوب العلمي في التفكير الذي يعد المحور الأساس في كل أنواع التعليم ، وتوفير المعلومات والمصادر والمراجع والتجارب ما أمكن بالمكتبة المدرسية ، وتعويدهم على الاطلاع الخارجي في المكتبات العامة .
3. النمو الاجتماعي : تنمية أنماط السلوك المرغوب في كل موقف من المواقف التي تحدث بالفصل ، وتنمية الواجب إزاء المحيطين بهم ، وإدراك العلاقات بينهم وبين زملائهم ، ومع أفراد أسرتهم ، وواجباتهم نحوهم
دور المعلم في إدارة الفصل :
يمكن تصنيف دور المعلم في إدارة الفصل حسب ما ذكر كلثبون ( 1989م ص ص 119 – 122 ) على النحو التالي :
1. التفوق الجسماني : يعتبر شيئاً أسـاسيّاً أو مهمّاً ، وتاريخ التدريس يدل على تدخل التفوق الجسماني الذي كان باستمرار أسلوباً أساسيّاً في الضبط ، وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي كانت المدارس عراكاً بين المديرين والطلاب ، من أجل إظهار من ستكون له السلطة ، وقلت أهمية هذا الأسلوب في المدارس الحديثة ، وإن كانت الأساس في الضبط لدى بعض المعلمين والطلبة .
2. السلطة الرسمية : نظام التعليم تقيده القوانين والعادات والتنظيمات الحكومية ، وهذا التقييد أكسب المدرس ما يسمى بالسلطة الرسمية ، والتي تستخدم بصورة واسعة وأساس في الضبط والإرشاد في وضع حد للطالب والمعلم من خلال فرض عقوبات رسمية عند مجاوزتهما الحدود ، وتمثل الواجبات الرسمية وتنظيم الفصل الدراسي والجداول المدرسية واختيار الكتب وعمليات التدريس جزءاً من سلطة المعلم .
3. السلطة العاطفية : تشير إلى العلاقـة الشخصية بين المعلم وطلابه ، والتي تتسم بالإيجابية وتدفـق العاطفـة ، وتشجع على التعرف على الحالة النفسية لـه فيقبل الطالب على تقليد المعلم واتباع إرشاداته ، ويصبح المعلم مثالاً أبويّاً محبوباً ، ومثل هذا النوع من السلطة قوي جدّاً في الصف الأول وتقل درجته مع ازدياد نضوج الطفل .
4. الحالة النفسية : أرقى من العلاقة العاطفية وإن كانت تقترب منها ، فالمعلم المتعمق في فهم الطلاب ودوافعهم ومشاكلهم لديه سلطة تجريبية عظيمة ، ومثل هذه الحكمة تستخدم لمساعدة الأطفال على النمو بأحسن ما لديهم من قدرات .
5. تفوق المعرفة : عندما يكون المعلم قويّاً بمعلوماته فإنه يمنح نفسه سلطة عظيمة ، فيصبح كالخبير في مجال عمله الذي يبحث عنه للحصول على إجابات دقيقة ،فيصبح محترماً بينهم ويملك السيطرة عليهم ، والمعلم الذي لا يعلم ويخطئ في تقديم المعلومات يفقد الاحترام ويواجه مشاكل ، ولهذا لا ينبغي أن يعرف كل شيء بل أن تكون من أبرز صفاته الجهد والرضا بالبحث عن الجواب الصحيح .
6. التفوق في العمليات الفكرية : الرغبة في البحث عن الإجابة يؤدي إلى النوع السادس من السلطة ، وهو التفوق في العمليات الفكرية الذي يتميز بما فيه من قدرة على التحليل والتركيب ، وإدراك العلاقات ، وتنظيم تسلسل الأفكار ، والقدرة على مواجهة المشكلات يوفر له نوعين من السلطة الإضافية في تفاعله مع الطلاب .
7. المهارة في العملية التربوية : الخبرة في طرق التدريس من أهم السلطات البارزة التي يمتلكها المعلم في التعبير عن قدرته المعرفية ، والمعلم الذي يسيطر على مهارات التدريس بدرجة عالية له كل السلطة داخل الفصل ، آخذين بعين الاعتبار مدى التباين بين المدرس الذي لا يشكو أبداً من النظام ، والمدرس الذي يفقد التحكم دائماً ولا يقوى على إدارة فصله ، والسلطة تفاعل بين المعلم والطلاب ، وهو تفاعل يستدعي أنماطاً متعددة من السلطة في آن واحد ، وبنسب مختلفة تعتمد في مجموعها على المدرس والطالب والموقف ، ,من هذا المنطلق فإن التطبيق يعتمد على مدى كفاءة أنواع خاصة من السلطة في مواقف محددة .
ويضيف الباحث في بعض التصنيفات لدور المعلم في إدارة الفصل ، والتي منها :
( أ ) سلطة المعلم في قيادة الفصل :
كما أن السلطة تفاعل بين المعلم وتلاميذه ، فالمعلم ميسر للتعليم ومدير للعملية التعليمية ، وهو في سبيل القيام بوظيفته يتفاعل مع تلاميذه ، فالتفاعل هو التأثير المتبادل أو المشترك بين الأفراد أو الجماعات ، ومنها تفاعل المعلم والتلميذ ، والتأثيرات المتبادلة أو المشتركة ، والمعلم في تفاعله مع تلاميذه في المواقف المختلفة يدير عملية الاتصال ويوجهها .
( ب ) وظيفة الاتصال في إدارة الفصل :
الاتصال عملية اجتماعية ، ويقصد بها التأثير في سلوك الآخرين من خلال التركيز على العناصر الرئيسية التالية :
المرسل : هو المعلم ، وهو المصدر الأساسي للاتصال وهو الذي يقدم المعلومة للطلاب .
المستقبل : وهو الطالب الذي يستقبل ما سرد لـه المعلم ، ويتم التفاعل من خلال درجة تأثير ما يقدمه المعلم في سلوك طلابه .
الرسالة : محتويات المنهج ( يقصد بها مجموعة المقررات الدراسية ) .
الوسيلة : قد تكون سمعية أو بصرية أو بغيرها ، من الحواس عن طريق استخدام الوسائل التعليمية .
رد الفعل " الاستجابة " : هو معرفة مدى تحقيق الأهداف التربوية بين المعلم وطلابه .
( ج ) فعالية الاتصال التربوي في إدارة الفصل :
حدد عبود وآخرون ( 1992م ، ص 206 ) بعض النقاط التالية :
- اتجاهـات المعلم ، وتتضمن نمو نفسه ، ونمو التلاميذ ، ونمو المنهج الدراسي .
- اختيار وسيـلة الاتصـال المناسبة حسب الموقف .
- طبيعة الرسالة ومحتوياتها لقدرات المستقبل يقصد بها القدرات الجسمية والعقلية .
- مستوى الدافع لدى المستقبل عالية أو متدنية .
الخلاصة :
إن هناك علاقة وثيقة بين مفهوم التعلم التعاوني ومفهوم تطوير إدارة الفصل ، تبرز طريقة وأسلوباً حديثاً في مجال تطوير أداء الطلاب الفعال ، من خلال الأداء المتميز من المعلمين في استخدام استراتيجيات التعلم التعاوني طريقة تدريب حديثة ، من أجل تطوير إدارة الفصل للممارسات التربوية الصحيحة ، في شكل مجموعات تعاونية داخل حجرة الفصل الدراسي ، وهذا يمارس باستخدام أدوات التعلـم التعـاوني ، وهما ( التعاون ، الصراع ) شيئان متلازمان .
فكلما زاد اهتمام أعضاء المجموعة في تحقيق أهداف مجموعتهم ، زاد اهتمامهم بعضهم ببعض ، ويترجم ذلك من خلال استخدام طريقة العصف الذهني
فإدارة الفصل الناجحة تحرص على إيجاد التفاعل مع الطلاب الذي يؤدي إلى المشاركة الإيجابية ، ويثير في الحصة جوّاً من الحيوية والنشاط ، وهو بدوره يحمل الطلاب على احترام معلمهم وتقبل إرشاداته ، فيقومون بواجباتهم التعليمية ، وحسب ما يحققه أثر استخدام أسلوب التعلم التعاوني في تطوير إدارة الفصل . وذلك بقصد الوصول في نهاية المطاف إلى تحقيق الأهداف التربوية ، وبالتالي فقد تم تحقيق الهدف الأول من أهداف هذه الدراسة ، وذلك بالاستعراض النظري من حيث تأصيل الأساليب والمعايير التربوية التي يستند إليها مفهوم التعلم التعاوني وإدارة الفصل .
لا يوجد حالياً أي تعليق